كتابه وفيق ابو النصر في كتابه الجميل ( النبي الإنسان )، يفتتح الأديب الكبير محمود تيمور موضوعاته بدعوة قارئه إلى أن يبتهل إلى الله دائما وفى كل أحواله بكلمة ( يا رب ). تابع معي جانبا مما كتبه هذا الأديب الإنسان والذي ابتلى بمحن كبرى استطاع أن يعتليها فانقلبت إلى منح . تأمل في كلماته، و قل ( يـا رب ).. يـا رب! كلمة واحدة…أذكرها، و لا تزد عليها، فأنت بها في غنية من مزيد! … رطب لسـانك بهذه الكلمة القصيرة، و دع ما عداها من كلمات طوال! … أنس كل شيء حولك، بل أنس وجودك، و انس علمك و خبرتك، و صح قائلا: يـا رب… قلهـا في صيحة صـامتة… فليس الله بحاجة إلى من يعلى الصوت، و يرفع النداء. قلهـا لنفسك، و لا تسمعهـا أحدا غيرك، فما انتفاعك بأن يسمعها الناس منك، إنما انتفاعك بأن تسمعهـا أنت نفسك، مناجاة تتجـاوب أصداؤها في حنـايا قلبك!… قلهـا كلمة واحدة، و حسبك بها، فالله هو الكلمة الواحدة لهذا الكون الحافل العظيم. قلهـا مرات و مرات، لا تسأم التكرار و الترديد… قلهـا في أي وقت شئت، و في أي مكـان حللت، سواء أكنت في خلوتك، ظافرا بوحدتك، أم كنت في معترك العيش تخوض الزحام. قلهـا في إصرار، في عمق، في نشوة… قلهـا و أنت في غفوة النوم، أو في صحوة اليقظة!… قلهـا في ضراعة المستغيث من كربته، و في قوة المطالب بحقه. قلهـا و أودعها كل ما تهفو إليه من مطامح ورغـاب، فإنهـا لا تضيق بشيء مما تنفسح له خلجات النفوس و أهواء القلوب. قلهـا و أنت ظالم جشع، أو مظلوم موتور… قلهـا و أنت منتصر جبار، أو مستضعف مهزوم… قلهـا و أنت مسرور يهز أعطافك المرح، أو محزون ينوء كاهلك بالأثقال و الخطوب!… قلهـا أبدا، مهما يكن من أمرك، و على أي حال تكون، فإنك بعد أن يلهج بهـا لسـانك، لا تلبـث أن تحس بأنك ذلك المخلوق الذي عرف الخالق، عرف الله، فانكشفت له الحقيقة الأزلية من وجوده، و زالت الغشاوة عن عينيه، غشاوة الاختلاف بين إنسان و إنسان، و إن تباينت الألوان… يا رب … ما هتفت بك مرة إلا أحسست النورانية تشرق على قلبي.. ما هتفت بك مرة إلا استشعرت الطمأنينة الساجية تشيع في نفسي !… ما هتفت بك مرة إلا آنست فورة الأمل وانبعاث الحيوية، لا حيوية الفتك والتدمير، بل حيوية الحب الشامل العطوف … يا رب… لا أرهب شيئا في الوجود، مادام ندائي لك ملء سمعي !… حتى الموت لا أرهبه، ولا أتهيبه، فهو يدنيني منك، ويجلو لي وجهك الوضاح. أنام – إذا نمت – مطمئنا رخي البال، فاسمك آخر ما تلفظ شفتاي. وأصحو- إذا صحوت- متفائلا طلق الأسارير، فندائي لك أول ما يلهج به لساني. يا رب… ما أحوجنا أن نراك رأى البصيرة، فالبصائر أقوى على الاتصال بكل ما هو مكنون، بكل ما هو حق، بكل ما هو خير. نريد أن نستجلى ببصيرتنا ضوءك، لكي نغترف من حنانك وشفقتك، لكي نروى قلوبنا بمحبتك. إننا نتشوف إلى رؤيتك، فلا تحجب عنا قبسا من نورانيتك… إننا نحس الوحشة في عالمنا على ضجته، فهي ضجة الطبل الأجوف، تثير فينا فزعا ورهبة… إذا لم نستشعر وجودك، يفيض علينا أنسا ودعة، فنحن في وحدة وانفراد، وإن كنا في جمع حاشد، وشمل جميع. فلا تكلنا إلى هذه الوحدة الموحشة، وحدة النفس المشردة، لا سكينة ولا سلوى. يا رب… نحن في اضطراب يتلوه اضطراب، تسلمنا ألغاز الحياة إلى ألغاز !… نحن في ظلمة حالكة، حيارى لا ندرى أين المساق ؟… فاكشف عنا الحجب، واهتك أستار الظلام، وأشرق علينا بنورك، نور الحق والخير والحب والسلام…. يا رب ..