«الثائر.. علي بدرخان» هو الكتاب الثاني للناقدة الفنية «مرفت عمر» بعد الكتاب الأول «عين على السينما الذي صدر عام 2017، والتي تناولت فيه حياة الرائد في السينما المصرية والعربية، وأهم غسهاماته الفنية وأعماله الفنية التي تربعت على عرش السينما المصرية، وصنفت بعض أفلامه من أفضل مائة فيلم فى السينما المصرية.
بدأت الكاتبة الصحفية والناقدة الفنية مرفت عمر كتابها بعرض لحياة على بدرخان ونشأته الفنية سارده بداياته مع عالم الإبداع قائلة: «في فيللا بدرخان نشأ الإبن.. على بعد خطوات من استوديو الأهرام، لمعت عيني الطفل بعظماء المبدعين وصناع الصورة.. تحول ضجيج عمال الاستوديو إلى موسيقى تعبث بأذنيه كل صباح.. عالم استلب خياله فحلم باقتحامه.. خطوات تفصل المنزل عن الاستوديو.. سعى لاجتيازها بصنع أفلام توثق مناسبات العائلة قبل اتمام عقده الأول رفقة صديقته المقربة.. الكاميرا».
في 25 أبريل 1946 ولد علي بدرخان، في منزل واحدًا من أهم مخرجي جيل الرواد، هو المخرج أحمد بدرخان أحد مؤسسي نقابة المهن السينمائية، شجع نجله لاقتحام عالم السينما برفضه التوقيع على استمارة التحاقه بالكلية البحرية، بدأ علي مشواره الفني كمساعد مخرج في عدد من الأعمال، أبرزها «أرض النفاق»، «نادية»، «الاختيار»، «العصفور»، رافضًا دخول عالم التمثيل رغم وسامته، تزوج السندريلا سعاد حسني بعد عملهما سويا في فيلم «نادية»، واستمرت الزيجة 11 عامًا، إذ انفصلا عام 1980، لديه أربعة أبناءهم أحمد ومعتصم وبدرخان وجودي.
وهو طالب معهد السينما الذي اختار التصوير وأصر والده على الإخراج، تلميذ الرواد يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وشادي عبد السلام ومحمد كريم ومدير التصوير عبد العزيز فهمي والفنان التشكيلي حسن سليمان، لكل منهم بصماته الخاصة في حياة بدرخان الابن، المخرج الذي نقل إحساسه ورؤيته وأفكاره ببراعة في أعماله، تنبأ بأزمات وتحولات سياسية في تاريخنا المعاصر، حملت أعماله رسائلا تحذيرية سارت على نهجها العديد من الأعمال الفنية، كما لم تنقطع علاقته بالتدريس يومًا.
لم يلتحق بالخدمة العسكرية في الجيش لأنه وحيد والديه، وعندما اندلعت حرب السادس من أكتوبر عام 1973، تقدم للتطوع في الجيش مرارًا ورفض طلبه.. بعد انتهاء الثغرة حصل على تصريح الشئون المعنوية بالقوات المسلحة للسفر بصحبة مدير التصوير محسن نصر إلى أرض المعركة، قضى أسبوعين فقط وعاد محملا بمواد فيلمية كثيرة، بهرته الروح المعنوية العالية للجنود المصريين وشعورهم بالكرامة لأنهم جزء من معركة تحرير الأرض من العدو الإسرائيلي.
لم يكن يوما الابن المدلل لمخرج كبير، فقد قاوم بدرخان الأب فكرة الاعتماد عليه بكل السبل، شمله برعايته دون التقصير في صناعته كمخرج، ففي فيلا الهرم التي شهدت طفولته وصباه وكل أفلامه واتجاهه للتدريس، بجوار استوديو الأهرام الذي يعد ركنا أساسيا في تكوينه، تابع الأب هوايات الابن وميوله وعمل على تنميتها منذ الصغر، فكانت هواية الرسم هي البداية وأحضر له مدرسا، ثم التصوير فأهداه كاميرا وزوده بمعمل بدائي للتحميض، إلى جانب مشاركاته في جلسات العمل التي يعقدها والده، وتوجيهه لمدير التصوير عبد العزيز فهمي ثم المونتير سعيد الشيخ، اختار له قسم الاخراج في معهد السينما بدلا من التصوير، أدخله كمساعد في أفلامه دون الحصول على أجر، لذا فإن على بدرخان دائما ما يصرح بأنه مدين لوالده بما وصل إليه.
شاشة عرض كبيرة توسطت فيلا الهرم نقلت عروضا سينمائية حضرها أصدقاء بدرخان الأب والابن في طفولته، كان حدثا عظيما استمر حتى بيعت الفيلا التي ضمت حديقتها ملتقى السينمائيين صغارًا وكبارًا، وفود طلبة معهد السينما لم تنقطع يوما عنها، ساهمت في تشكيل شخصياتهم وأراءهم، وهو ما لم يقطعه علي بدرخان حتى اليوم، بعد أن أصبحت أكاديمية «كاليبر وبدرخان» التي أسسها منذ سنوات لتعليم فنون السينما بديلا لفيلا الهرم، تتضمن كورسات وورش سيناريو ومونتاج وتصوير وإخراج، إلى جانب الملتقى الثقافي الذي عشقه بدرخان وحافظ عليه.
يقف دائما على يسار الدولة في كل العهود إلا أنه حصد أرفع أوسمتها بمنحه «وسام النيل»، وهو ثاني مخرج سينمائي يحصل عليها، وقد نالها أستاذه يوسف شاهين قبله بعشر سنوات، ولكن لا تزال لديه أفكار في أعماقه تنتظر أن يتغير المناخ التجاري الذي يسيطر بإحكام على مقدرات السينما، ليستطيع أن يتنفسها مع الجمهور، تم إلقاء القبض عليه أثناء تواجده في منطقة «حوش أدم» مع الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام وآخرون، فكانت تجربة المعتقل مفيدة بالنسبة له بتزامنها مع استعداده لتقديم فيلم «الكرنك»، وبعد أن كانت فكرته مبنية على قصص تروى له وجد نفسه يعيش قصته بين جدران محبسه، ونشأت صداقة بينه وبين جنود المعتقل امتدت لفترة طويلة كما اختير فيلميه «أهل القمة» و«الكرنك» ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
الجذور الكردية لعلي بدرخان بمثابة توثيق للتاريخ، وحصوله على تكريمات وجوائز بكردستان تعود لتلك الجذور ولإبداعاته السينمائية التي تتحدث عن نفسها، وتأكيدا على أن القيمة الإبداعية لا تموت، إلا أن قضية الأكراد ظلت تؤرقه سنوات، وسعى لعمل فيلم يرصد نضال الشعب الكردي من خلال شخصية الملا مصطفى البرزاني قائد التحرير الكردي، إلا أنه توقف كغيره من الأحلام التي سعى بدرخان لتحقيقها ولم تكتمل، ففي جعبته عشرات الأفلام والمسلسلات التي لو نفذت لكانت إضافة كبيرة للسينما والدراما المصرية والعربية.
في فيلم «الكرنك» انتقد المعتقلات في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، على الرغم من إيمانه بمشروعه التنموي، الفيلم مأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ الذي يعد الكاتب الأقرب لعلي بدرخان، حيث قدم له أيضا واحدة من قصص الحرافيش «سارق النعمة» في فيلم «الجوع»، وإن كان هذا لم يمنع أن تجد في الفيلم ملامح من القصص التسع الأخرى في ملحمة الحرافيش، تناول «الجوع» ضرورة التخلص من هيمنة الزعامة والخضوع المطلق للبطل، والعمل الثالث هو “أهل القمة” الذي انتقد الانفتاح الاقتصادي العشوائي في زمن السادات.
شكلت سعاد حسني القسط الأكبر والأهم فكريا وإبداعيا والأكثر نجاحا على مستوى الشباك في مشواره بأفلام «الحب الذي كان» و«الكرنك» و«شفيقة ومتولي» و«أهل القمة» و«الجوع»، الطلاق الذي وقع بينهما في منتصف الثمانينات لم يصل بهما إلى الطلاق الفني، وجاء «الراعي والنساء» عام 1991 لتختتم به سعاد مشوارها الفني، أيضا لم يمنع الزواج بدرخان من أن يقدم فيلم «شيلني وأشيلك» عام 1977 مع وجه جديد وقتها هو «نسرين».
«الثائر ..علي بدرخان» هو الكتاب الثانى لـ«مرفت عمر» بعد الكتاب الأول «عين على السينما الذى صدر عام 2017 ، ومرفت عمر صحفية وناقدة فنية بمؤسسة أخبار اليوم، وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، ونائب رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط ، والمدير الفني لمهرجان الأمل السينمائي الدولي باستكهولم، وحاصلة على دبلومة من المعهد العالي للنقد الفنى – أكاديمية الفنون