ريزان العرباوى
لا تزال دراما السيرة الذاتية تثير شهية الكتاب والمؤلفين, تغازل أفكارهم وأقلامهم لتقديمها من جديد، خاصة أنها تنتقي رموزا من الفن والأدب والسياسة، أو شخصيات تاريخة معروفة ومؤثرة, لأسمائهم وقع خاص وأصداء في حضورهم لسيرتهم وحياتهم الثرية المليئة بالمحطات الإنجازات الهامة.
ومؤخرا انتشرت أخبار عن نية عدد من النجوم لتقديم هذا النوع من الدراما, لكن هل سترى النور بالفعل؟، أم ستظل حبيسة الأدراج؟، وما الشروط اللازمة لنجاح تلك الأعمال؟، وما سبب خروج بعضها بشكل متواضع يعرضها للانتقاد؟.
صرح الكاتب عبد الرحيم كمال أنه بصدد التحضيره لعمل درامي في نطاق السيرة الذاتية يتناول حياة ورحلة الأديب العالمي نجيب محفوظ منذ طفولته حتى وصوله إلى جائزة “نوبل” في الأدب, كما يركز على العوامل التي كونت شخصيته، ويكشف عن سر عشقه لحي العباسية ودهاليز الحارة المصرية، والتي أبدع في نقلها عبر رواياته المختلفة, ومن المقرر أن يجسد أحمد حلمي شخصية الأديب الراحل نجيب محفوظ, وعن هذا العمل يقول عبد الرحيم كمال: “هذا المشروع بمثابة حلم قديم بيني وبين أحمد حلمي لتقديم عمل يتناول قصة حياة الأديب الراحل, فالفكرة تراودني منذ 8 سنوات تقريبا، ومن أول لحظة وقع اختياري على حلمي لتجسيد الشخصية، وعرضت عليه الفكرة وتحمس لها جدا, فهو ممثل كبير ومتمكن من أدواته, لكن إلى الآن لم نصل إلى صيغة نهائية لشكل العمل، هل سيكون فيلما سينمائيا؟، أم حلقات صغيرة؟, فليس من ضمن الخطة إعداده من أجل العرض الرمضاني”.
وتابع: “العمل ليس بسيطا، بل يحتاج إلى فترة كبيرة من الإعداد والتحضير لتقديم عمل يليق بقيمة هذا الرمز, فنجيب محفوظ يعني مصر, يعني أهم الأعمال الأدبية، وأهم جائزة حصل عليها كاتب في تاريخ مصر, فسيرته عظيمة وثرية كما أنه قريب من ذاكرة الناس, وهناك عدة زوايا من حياته نتشاور حول تقديم زاوية معينة منها لنتمكن من خلالها أن نحكي 100 عام من تاريخ هذا الرجل العظيم”.
قيد التنفيذ
في نفس الاطار، قرر خالد النبوي خوض التجربة وتجسيد شخصية الراحل العالم الكبير مصطفى محمود، من خلال عمل درامي من تأليف وليد يوسف وإنتاج أحمد عبد العاطي, العمل كان من المفترض أن يرى النور منذ فترة، إلا أنه واجه بعض العثرات حالت دون تنفيذه, حيث يعود مشروع المسلسل لأكثر من 4 سنوات عندما أنتشر البرومو الخاص بالعمل، وظهر النبوي من خلاله متقمصا شخصية المفكر الراحل, العمل لا يتناول السيرة الذاتية لمصطفى محمود فقط، بل يلقي الضوء على شكل الحياة في مصر منذ ميلاده وحتى وفاته عام 2009.
أيضا من المفترض أن تستأنف التحضيرات الخاصة بفيلم “بابا العرب” الذي يتناول سيرة البابا شنودة، ويجسد شخصيته ماجد الكدواني، وإخراج ساندرا نشأت.
كما كشفت بشرى عن نيتها لتقديم شخصية المطربة داليدا في عمل فني، وبالفعل بدأت في التحضيرات، إلا أنه توقف لفترة مؤقتة, ويناقش العمل مشوار حياة داليدا التي ولدت في حي شبرا، وحصلت على لقب “ملكة جمل مصر” عام 1954، ونجحت في الغناء بـ9 لغات.
وبعد أن أعلن محمد رمضان عن تجسيده لشخصية الراحل أحمد زكي في مسلسل يحمل اسم “الإمبراطور”, وتم الاتفاق مع السيناريست بشير الديك لتأليف المسلسل على اعتباره من الأصدقاء المقربين للراحل، حيث قدما معا أفلام “موعد على العشاء, ضد الحكومة, طائر على الطريق والنمر الأسود”، وذلك بعد إعتذار الراحل وحيد حامد عن كتابة العمل.
إلا أن العمل توقف لحين إشعار آخر، وحتى يتم التفاوض مع ورثة الفنان الراحل، خاصة أن هناك تقارير أفادت بإشتراط العائلة قراءة النص أولا قبل البدء في التصوير.
رأس المال
فهل سيحين الوقت لتلك الأعمال لترى النور بالفعل أم ستظل مجرد تصريحات غير قادرة على مواجهة العقبات ومشاكل الورثة وخوف رأس المال من المجازفة؟.. سؤال أجاب عليه المؤلف محمد الحناوي قائلا: “تتعدد الأسباب التي تعيق تصوير أعمال السيرة الذاتية من خلافات مع الورثة إلى تردد في اختيار الأبطال، إضافة إلى العقبات الإنتاجية, وأعتقد أن خوف رأس المال سيظل حائلا لتنفيذ هذا النمط الدرامي بإعتبارها أعمال قد تفقد عنصر الجذب والتشويق المطلوب، بالرغم من أهميتها في تخليد ذكرى الرموز العظيمة في شتى المجالات، ودورها في تشكيل وجدان الجيل الجديد, لذلك أرى أنها نظرية إنتاجية خاطئة, فلو تم تقديم عمل فني يتناول سيرة العالم المصري الراحل مصطفى محمود ويجسده خالد النبوي، فأنا على يقين أنه سيحقق نجاح على أعلى مستوى, ولضمان النجاح لابد من تقديم محتوى جيد ومدروس فهو نمط درامي مهم ومطلوب إذا تم صناعته بشكل إحترافي ومصداقية متناهية فهو صعب جدا بالمناسبة، وتأتي صعوبته بداية من التأليف والقدرة على تحويل الحقائق إلى حدوتة وتطعيمها بالإيقاع الدرامي, فهو أصعب من الخيال الصرف, لأن كتابة حدوتة من خيالي تختلف كثيرا عن كتابة قصة عن حياة صلاح جاهين على سبيل المثال, لأن الحقائق جافة إلى حدا ما وليس بها الخيال الرحب الذي تمتاز به الأنماط الدرامية الأخرى, وأنا كمؤلف مطالب بتطعيم الحقيقة بكل أدوات الدراما دون إحداث أي خلل بالقصة الحقيقية، وهي معادلة صعبة, فالكاتب عليه تحري الأمانة فيما يقدمه ومتاح له هامش بسيط جدا لا يتعدى الـ15 أو 20% من خياله، دون التعدي على حقوق الأبطال والأحداث الحقيقة، فهذه النسبة أعتبرها (الشطة والبهارات) التي تضاف للنص الدرامي، لكن دون زيادة، فالبهارات للتحلية فقط”.
دور تعريفى
“دراما السيرة الذاتية جزء هام ومؤثر من أجزاء وأنماط الدراما العربية، لما لها من دور تعريفي بحياة المشاهير بمختلف اختصاصاتهم، لكن يبقى الشرط الأهم لنجاح هذه الأعمال هو مدى مصداقيتها وملامستها لواقع الشخصية التي يتحدث عنها العمل، وإظهار جوانبها الإيجابية والسلبية”، هكذا بدأت الناقدة د. عزة هيكل حديثها عن أعمال السير الذاتية، وتابعت قائلة: “يجب أيضا انتقاء الشخصيات التي يتم تجسيدها، والأحداث والمواقف الدرامية التي تجذب المشاهد حتى لا يقع في فخ الإسهاب لسرد تفاصيل قد تصيب المتلقي بالملل, كذلك مراعاة عدم تقديم تلك الشخصيات والرموز بصورة مثالية غير واقعية، مع تحري الدقة في تناول بعض الأسرار حتى لا يتحول إلى منتج يسيء للشخصية ولحضورها في الوعي الثقافي العربي والإنساني، فنحن نقدم عمل درامي وليس وثائقي، فمثلا عندما قيل أن سعاد حسني تزوجت من عبد الحليم حافظ, فهي قضية جدلية وتوظيفها دراميا غير مستحب، لأن الكاتب لا يستند إلى ما يثبت ذلك، فلابد من وجود مرجعية لما يتم طرحه، لأنها مسائل قد تدخل العمل الفني في مشاكل مع الورثة، فيطالبوا بحق التقاضي ووقف العمل, ولتجنب ذلك لابد من الحصول على موافقة مبدئية من الورثة قبل تنفيذ العمل”.