كتب :يحيى وجدي
أكتب هذه السطور ومنى الكرد خارجة لتوها من أحد مراكز الشرطة الإسرائيلية ، بعد أن كانت رهن الاعتقال لساعات طويلة هي وشقيقها..
ابنة الأرض وصاحبة البلد بالانتماء والتاريخ والوجود، هي التي تعتقل على أيدي وافدين من قارات أخرى لا ليزاحموها وأهلها حتى في بلادهم، بل ليزيحوها تماما (أو هكذا يأملون) من بيتها وبلدة جدودها.. أي ظلم فادح، وأي اختلال في القواعد والنواميس؟!
ومنى الكرد هي الفتاة الفلسطينية المقدسية النحيلة، ابنة حي الشيخ جراح، التي عرّفت العالم كله، وأرواحه الحرة، عنت الصهاينة وجرائمهم، حينما أرادوا الاستيلاء على منزل أسرتها لإخلاؤه من أصحابه وتوطين محتلين أوروبيين أو أفارقة بدلا من أصحاب البيت.
بكاميرا صغيرة وبهاتفها المحمول، وضعت منى الكرد الدنيا أمام نفسها في المرآة، وذكرتهم بفيديوهاتها القصيرة أن هناك شعبا تُسلب حقوقه يوميا، بعدما سُلبت أرضه، على يد إسرائيل، فماذا أنتم فاعلون؟
بكاميرا صغيرة وبهاتفها المحمول، تحدثت منى الكرد أيضا بأصوات وأرواح أجيال منذ عام 1948؛ قالت إننا لم نبع أرضنا كما يدعون، وكما تريحون ضمائركم (إذا وجدت) بأننا استسلمنا. نقلت منى الكرد صوت الرفض والمقاومة، وتحدت في كل فيديو بثته منذ بدء المحاولات الصهيونية لإخلاء سكان حي الشيخ جراح، القوات الإسرائيلية، بعربية مقدسية قواعدها الشجاعة الفصيحة دون الاهتمام بتجميل الكلمات.
بكاميرا صغيرة وبهاتفها المحمول، أصبحت منى الكرد قناة تلفزيونية كاملة، ومنصة فضائية هي مديرتها ورئيسة تحريرها ومراسلتها الوحيدة، فعرفنا وعرف العالم أن الاحتلال الصهيوني لا يعرف جديدا.. هو هو منذ أن كان عصابات مسلحة قبل إعلان دولته، وأن الصهاينة لا تردعهم اتفاقيات ولا قوانين.. لا يردعهم سوى صوت الشجاعة المقاومة..
صوت منى الكرد ومئات الآلاف مثلها من شابات وشباب فلسطين.. صوت الحرية.
عِشت يا منى؛ عِشت يا حرة.
سلوى بكر..المخلصة
كنت قد قرأت لها فقط روايتها البديعة “البشموري”، الصادرة عام 1998 عن “دار الهلال”، وفُتنت بالرواية، ورحت أبحث عن كل ما كتب عن البشموريين المصريين وثورتهم التي طمرها التاريخ وكُتابه.
رحت أبحث أيضا عن كل ما أصدرته سلوى بكر من أعمال أدبية قبل الرواية، ولم يكن الانترنت متاحا، والكتب تُطبع وتنفد ولا تعاود المكتبات ودور النشر عرضها، وعلى الباحث أن يذهب إلى سور الأزبكية أو يسأل أصحاب “فرشات” الكتب على الأرصفة، وقد كان، فقرأت لسلوى بكر “مقام عطية”، و”العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء” وهي واحدة من أجمل رواياتها.
الأسبوع الماضي، فازت سلوى بكر بجائزة الدولة التقديرية في الآداب، وهو فوز مستحق بل وتأخر كثيرا، فقد أصدرت سلوى بكر زهاء عشرين عملا أدبيا ترجم أغلبها إلى لغات العالم الرئيسية، وحازت عن بعضها جوائز عالمية في القصة القصيرة والرواية، ودعتها أقسام الأدب في كبرى الجامعات لتدرّس الأدب العربي لطلابها، وكان حريا بلجان الجوائز أن تكرم سلوى بكرى بجائزة كبرى من سنوات طويلة، لكن (الحمد لله) أنها فازت أخيرا.
وسلوى بكر 72 سنة متعها الله بالصحة والعمر الطويل، أعادت تذكير العديد من الكتاب بالرواية التاريخية، بعد روايتيها “البشموري” و”كوكو سودان كباشي”؛ ولو لم تفعل سوى ذلك لكفاها، لكنها أيضا أخرجت بأعمالها التي تُرجمت الكاتبات العربيات من مربع محدد وضعه لهن المستعربون والمترجمون الأجانب، من أن الصوت الأدبي الذي يجب أن يعرفه القارئ الغربي هو صوت معين، يقدم لهذا القارئ “تقريرا” أدبيا صحفيا، وهكذا راح الكثير من الكتاب والكاتبات إذا أردن أن تترجم أعمالهن إلى لغات أخرى، أن يكتبن “تنويعات هذا الصوت!
عاشت سلوى بكر حياتها تنحاز للكتابة فقط ومخلصة لها كل الإخلاص، حتى العمل العام، فضلت الكتابة عليه أو حررته بداخلها عبر الكتابة، لذلك تستحق سلوى بكر ألف جائزة أخرى.
نانسي طمان..الفراشة
كل فوز لفتاة مصرية بجائزة كبرى في أي رياضة حدث كبير ويستحق الاحتفاء، وفوز نانسي طمان بالميدالية الذهبية لكأس العالم للجمباز، هو أكثر من فوز، ويستحق احتفاء خاص به وبصاحبته.
ميدالية نانسي طمان الذهبية، هي أول ميدالية ذهبية ولقب تحصل عليه فتاة مصرية في اللعبة عالميا، وعبر بطولة شهدت منافسة دولية شديدة الشراسة خاضتها لاعبات من دول عديدة، اعتادت على حصد الذهبيات، وهكذا فإن الميدالية الذهبية التي وقفت نانسي طمان لتقضمها أمام عدسات المصورين وكاميرات الفضائيات، جريا على عادة التقليد الرياضي في هذه المسابقات، لها أكثر من طعم.
والأهم في فوز نانسي طمان بهذه الذهبية لتتصدر البطولة التي أقيمت في القاهرة، أنها ستكون مثلا أعلى لآلاف الفتيات الصغيرات ممن يتدربن على الجمباز، لتحقيق بطولات رياضية كبرى، والاهتمام أكثر بالاستمرار في التدريب وليس التعامل مع الجمباز باعتباره رياضة خفيفة لـ”تظبيط” جسم الفتاة في مرحلة عمرية مبكرة. الآن، أصبح الجمباز الفني لدى هؤلاء الفراشات الصغيرات رياضة مهمة مثلها مثل السباحة وكرة القدم والسلة، وقد يحققن فيه أرقاما عالمية مثل الفراشة الكبيرة نانسي طمان.
ونانسي طمان، من مواليد محافظة الإسكندرية، بدأت ممارسة الجمباز منذ عام 1998 عندما كان عمرها أربع سنوات، وشاركت في المسابقات الدولية للعبة منذ عام 2007، كما شاركت في كأس العالم للجمباز عام 2011 المقامة في طوكيو باليابان، وفي بطولة كأس العالم للجمباز التي أقيمت في بلجيكا عام 2013، وأيضا بطولة كأس العالم للجمباز بمدينة نانجينج بالصين عام 2014، وعام 2015 شاركت في بطولة كأس العالم التي أقيمت في مدينة جلاسجو في بريطانيا، وبطولة كأس التحدي للجمباز بكرواتيا، في نفس العام حصلت على الميدالية الفضية في دورة الألعاب الإفريقية الحادية عشرة، كما فازت بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأفريقية الثانية عشرة المقامة في الرباط بالمغرب عام 2019، وصولا إلى ذهبيتها الأخيرة الثمينة