نحات تصويري رائد استوحى أعماله من أعمال عمالقة الإبداع مايكل أنجلو، برنيني، رودان، اشتهر بالتقاط العواطف الإنسانية، والرسائل التعبيرية للأيدى البشرية، وتظهر فى أكبر وأصغر أعماله تفاصيل ينقل بها شغفه للقيم الأبدية، والمشاعر الأصيلة، «لورينزو كوين» الابن الخامس للنجم المكسيكى الأمريكى الشهير «أنتونى كوين» من وزوجته «جولاندا أدولوري»، نشأ فى الولايات المتحدة وإيطاليا، ثم استقر فى برشلونة بإسبانيا عام 1988، وبدأ ممارسة الفن كرسام فى أوائل الثمانينيات، حينما التحق بأكاديمية الفنون الجميلة فى مدينة نيويورك.
بدأ حياته ممثلاً، وعمل بشكل احترافى فى أواخر الثمانينيات، حيث جسد شخصية عازف الكمان الإيطالى «أنتونيو ستراديفارى» فى فيلم إيطالي عام 1988، بطولة والده أنتونى كوين، كما جسد شخصية الفنان السيريالي الإسبانى «سلفادور دالي»، وفاز عنه بجائزة أفضل ممثل جديد فى مهرجان بياريتز السينمائي، وبعد تجسيده لهذه الشخصية المبدعة قرر أن يجد لنفسه مكاناً خاصاً، وبدأ يتجه إلى «النحت» الذى يرى أنه أقرب ما يكون لعملية الولادة لدى الرجال، وإبداع يجعل الفنان خالداً في الحياة.
بــــدأ حيـــاته بتـجسـيــد شــخصيــة «سلفادور دالى» ثم أصبح من أشهر النحاتين
قام «لورينزو» بنحت عمل فنى عملاق يمثل جسراً من 6 أزواج لأيادى أطفال فوق ممر مائى فى مدينة فينيسيا، ليرمز إلى الحاجة إلى بناء الجسور والتغلب على الانقسامات، ويهدف للتوعية من خطر ارتفاع منسوب المياه بسبب التغير المناخى، الذى يهدد بإغراق المدينة، لكنه كشف أن العمل يحمل أيضاً معنًى شخصياً، حيث إنه يشعر بالقلق تجاه أطفاله الثلاثة، والعالم الذى سينتقل إليه جيلهم، وأنه استلهم تصميم الأيدى من يدى أحد أبنائه، وإن هدفه توعية الناس بطريقة واضحة وبسيطة ومباشرة، من خلال أيدى الأطفال الأبرياء، واستحضار الرسالة القوية التى توحدنا، وتمكننا من اتخاذ موقف للحد من تغير المناخ الذى يؤثر علينا جميعاً..
كما صنع تمثالاً باسم «الإحصائيات» حول تجريد الإعلام من إنسانية حرب العراق، يقدم من خلاله رسماً بيانياً لعدد القتلى بأيدٍ منحوتة، ليجعل المشاهدين يدركون أن هناك أشخاصًا حقيقيين وراء الأرقام، وتمثالاً آخر باسم» الدعم» يصور يدين عملاقتين ترتفعان من قناة مائية فى مدينة فينيسيا لدعم أحد المبانى، وهو يرمز إلى قدرة الجنس البشرى على تدمير العالم، والقدرة المتساوية على إنقاذ العالم أيضاً، كما ابتكر تمثال «شجرة الحياة» الذى يصور الذين لقوا حتفهم فى غارات برمنجهام الجوية فى الحرب العالمية الثانية.
الأيدى لغة عالمية
ويقوم بنحت الكثير من تماثيل الأيدى، لأنها تشكل لغة عالمية، ويمكن التواصل مع الآخرين بمجرد تحريكها بطرق معينة، ويرى أنه أراد نحت ما يعتبر الجزء الأصعب، والأكثر تحديًا من الناحية الفنية فى جسم الإنسان، فاليد تملك الكثير من القوة، قوة الحب، الكراهية، الخلق، التدمير، ويمكن للناس أن يتعاملوا معها بسهولة لأنها بدون وجه، حتى يتمكنوا من رؤية أنفسهم تنعكس في النحت، لكنه لا يريد أن يكون «فنان اليد» فقط! لأن الفنان يجب أن يكون قادراً على إعادة اختراع فنه، حتى لا يتوقع الجمهور ما يقدمه بقية حياته الفنية، وكشف أنه صنع هذا التمثال فى الاستوديو الخاص به فى «برشلونة» باستخدام طريقة قديمة تعرف باسم «صب الشمع المفقود»، وهى عملية عمرها ألف عام تتضمن صب قالب تم إنشاؤه باستخدام نموذج الشمع للنحت، تحية لـسادة الماضى «the Masters of the past..
وقد اختار لورينزو الشكل البشرى، لأن هدفه هو تواصل أعماله مع الناس، فهو يرفض فكرة النخبوية فى المعارض الفنية، ويعتبرها أسوأ ما يمكن فعله فى الفن، ويرى أن الغالبية العظمى من الناس الذين يشترون أعماله لا يشترونها لأسباب جمالية أو أغراض استثمارية، وإنما يشترونها لأن القطعة الفنية تعنى لهم شيئاً، ويرفض لورينزو التبسيط المبالغ به فى الفن المعاصر، ويعترف أنه يشعر بالاكتئاب حينما يذهب إلى معرض، ويرى الأشياء ملقاة على الأرض، ومصنفة على أنها إبداع فني! ويرى أن الفن يتحرك فى دورات، وأن هذه الدورة مهمة فى كسر بعض التابوهات، لكنه ليس من محبى فن الصدمة، وإنما على الفنان خلق شيء جديد فى الحياة، فقبل 90 عاماً كانت «الدائرة الحمراء» فى منتصف اللوحة تعنى شيئاً، لكن الأعمال التى تم إنتاجها بهذه الطريقة، لم تعد ذات قيمة فنية اليوم، ويعتقد أن الجمهور سيبدأ فى رفض هذا النوع من الفن ويطلب عودة الفنانين المهرة مرة أخرى.
النحات المؤلف
وحول أسلوب عمله يقول إنه يعمل مثل المؤلف، حينما تكون لديه فكرة يبدأ بكتابة الكلمات والعبارات، ولا يبدأ أبداً بصورة مرئية، وأنه أحياناً يجد الإلهام سريعاً وأحياناً يستغرق الأمر بعض الوقت، لأنه أمر لا يمكن التحكم فيه، مثل الوقوع فى الحب، وأنه يقع فى حب كل منحوتة يبدعها، وأن الوقت المستغرق لترجمة فكرة إلى منحوتة جسدية يعد من أكثر الأشياء المحبطة له، لأنه يريد أن يرى القطعة الفنية بصورتها النهائية، فى اليوم التالى لاكتمال صورتها فى ذهنه..
ويوضح أن هناك جانبين لعمل القطعة الفنية، أحدهما الإنتاج المادى الفعلى للنحت، والآخر هو الجزء الإبداعى، وأن المنحوتة الأخيرة له استغرقت 49 عاماً، لكى يكون فى تلك المرحلة العمرية، لكن عادة ما يستغرق الأمر ما بين ستة أشهر إلى عامين، لتنفيذ القطعة الفنية، ويقوم بتنفيذها بمساعدة زميل واحد، لكنه يتطلع إلى توظيف عدد قليل من الأشخاص للمساعدة فى الاستوديو، لزيادة الطلب على أعماله، كما بدأ يستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد التى توفر ما يقرب من شهرين.
أقام لورينزو كوين معرضه الأول عام 2008 فى لندن، وفى نوفمبر 2009 أقام معرضه الثانى فى ساحة بيركلى لمدة ستة أشهر، وضم أشكالاً من الذكور والإناث ترقد فى نصفى الكرة الأرضية، ومنحوتات تعكس قوى الطبيعة. ويدعم العديد من الجمعيات الخيرية، وتذهب عائدات بيع تماثيله إلى القضايا البيئية، كما كان راعى الفنانين الشباب لليونسكو، وتبرع بالنحت لمتحف المكفوفين فى مدريد، كما قام بتصميم جائزة «الأطفال المحتاجون» عام 2005.